
أحمد ناجي
تقديم
ليس أصعب من أن تحارب خصم خفي ، إلا أن تحارب صاحب حق.
خمسة أعوام تقريبا على ظهور المدونات العربية بشكلها المعروف حاليا ، اختصرت الكثير والكثير من صراخ المؤسسات الحقوقية ، وعناوين ومانشيتات صحف المعارضة ، وأخبار المقدمة في الفضائيات المستقلة.
وخمسة أعوام في عصرنا الحالي قد تضاهي بالتطور الذي تشهده ، خمسة قرون من الماضي ، لذلك وحينما نمد المنطق على استقامته ، فخمسة أعوام على ظهور المدونات ، تعني ظهور جيل جديد من المدونين ، يبدأ من حيث انتهي الجيل الأول ، ويستخدم المدونات والشبكات الاجتماعية على الانترنت بشكل يصعب مواكبته أو الحد من سلاطتة لوحة مفاتيحه.
حينما تتحدث مع أحد المدونين من الجيل الأول عن الحراك السياسي في عام 2005 ، ورغم أن عمر أغلبهم لا يتجاوز الثلاثين ، وعمر هذه الحركة لا يزيد عن خمسة سنوات ، فسوف ينظر إليك شاردا ، ويحاول أن يفتش في ذاكرته عن أحداث يراها البعض قريبة وماثلة في الذاكرة ، ويراها هذا الجيل ممن ساهم في تسليط الضوء عليها وكأنها حدثت في زمن بعيد أو كحدث أعقبته مئات الحوادث والفعاليات التي شارك في صنعها.
كنت كمدير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ضمن المتابعين لهذه الوسيلة” المدونات” التي منحت “بوقا لمن لا بوق له” و”منبرا لمن لا منبر له”، أتابع مدونة منال وعلاء ، وحوليات صاحب الأشجار ، ومحمود اليوسف ، طق حنك ، وجار القمر، وغيرهم من الجيل الأول الذي رسخ أقدامه كجيل مدافع عن الديمقراطية وعن حقه في أن يكتب ما يراه ، بغض النظر عن الخطأ والصواب ، وبلغه لا يعنيه أن يعترض عليها البعض أو يثني عليها البعض الأخر.
وحين ظهر الجيل الثاني ، لم أشعر بالملل على الإطلاق ، بل بت ألهث وأنا أتابع بشغف الإنتاج الغزير لـ “جبهة التهييس الشعبية ، وأنا إخوان ، تحية نضالية ، والصعيدي ، وسعودي جينز” وغيرها من مدونات الجيل الثاني أو هكذا أظن.
ثم تعاقبت الأجيال ، وأصبت بحيرة ،واكتفيت بسؤال واحد “أين هي البداية؟ ” ، لأنني لا أظن أن هناك نهاية ، سواء للمدونين أو لتطور الانترنت وظهور أدواته.
قليلة هي السنوات التي مرت على ظهور المدونات ، غزيرة هي هذه السنوات القليلة في إنتاجها ونتائجها وعددها.
لذلك كان من الضروري أن يؤرخ لهذه الفترة ، ولم يكن أقدر على تأريخ هذه الحقبة التدوينية بكل ما حفلت به من نجاح وما شهدته من كبوات سوى جبرتي المدونات ، أحمد ناجي.
حين قرأت مسودة هذا الكتاب لأساعد في تصحيح بعض التواريخ أو المعلومات ، فوجئت أنني قرأته ثلاثة مرات في يوم واحد ، فهذا كتاب مختلف ، يؤرخ لك ، ويقص عليك ، ويحكي لك كقصة شيقة ، كيف حول هؤلاء الشباب مقولة وشعار “حرية التعبير” إلى حقيقة ، ليس فقط في طرح الأفكار ، أو الهموم أو الآراء ، بل أيضا كيف تجسدت حرية التعبير في لغة هذا التعبير.
يجلسون على حواسيبهم ، وينطلقون في الشوارع ، ويلتقون في المقاهي ، ويتظاهرون في الميادين، ويفضحون على الملأ ، ويدافعون بصلابة عن حقهم ، لذلك كرهتهم الحكومات ، وحاربتهم ، ولم تهزمهم.
فهم أصحاب حق ، وقوتهم في صدقهم.
لن أطيل عليك ، فها هي بين يديك قصة المدونات ، كما رآها وأرخ لها صاحب مدونة وسع خيالك، نقدمها لك ، لنحرضك على أن تنحاز لهؤلاء المدونين ،وتحلم معهم بمجتمع يسمع للمختلف قبل المتفق ، ويناقش قبل أن يحاكم ، ويهتم بالشباب ولا يهملهم.
جمال عيد
مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
إلى ..
الجماجم التي ظلَّت تهاجِم .